كلمة الأب يوسف جزراوي لاتحاد أدباء ميسان بعد الانتهاء من تصميم واخراج كتابه الجديد :
اثِّنَى مِنَ الشُّكْرِ لِكُلِّ مَنْ ساهمَ فِي إِنجازِ آخر ِ العنقودِ:
دار "ميشان" للطباعةِ والنشر والتوزيع
الباحثةُ العراقيّة د. وسن حسين محيميد/ الشِّاعرةُ المصريّة فاطمة ناعوت
الأساتذة الشّعراء: حامد عبد الحسين/ القسّ جوزيف إيليا/ بدوي الحاج
جازاهم الله جَمِيعًا خير جزاء.
الإهداءُ
-إِلَى روحِ والدي -عليه رحمةُ الله- الَّذي علّمني كيفَ أكونُ محكومًا بِحُبِّ العراقِ، منذورًا لعشقه الأبدي.
-إِلَى أمُّي أمدَّ الله في عمرها، الَّتي ارضعتني لبنًا عراقيًا، جعلني بغداديًّا دَسِمَ الانتماء.
-إِلى أستاذي العَلاّمةِ الرَّاحِلِ الأب د. بُطرس حدّاد-رحمهُ الله- إذْ لطَالَمَا قرأنا فِي أبحاثِه تاريخَ وحدتِنا.
-إِلَى أبطالِ ثورةِ تشرينَ، لا سيَّما الشُّهَداء مِنْهم، وهم أحياءٌ عِنْدَ ربِّ الحَيَاةِ.
-إِلَى أهلي وأحبّتي العراقيّينَ فِي الوَطَنِ والمهجرِ...
وَإِلَى بَلدي العِراق "أبِي الدُّنيا " أقولُ:
طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وطَنًا
وَطُوبَى لِمَنْ كُنَّا وَمَازلنا لَهُ شعبًا
فغدًا سوف تشرقُ الشّمْسَ ونردُّ العراقَ للعراقيّينَ.
إلَيهِمْ جَمِيعًا وَإِلَى كافَّةِ القُرّاءِ أُهدي هَذَهِ المَلْحَمَةَ الَّتي خَضَبَتِ بِالْوِجْدَانِيَّةِ الشِّعريّةِ، فيومًا مَا ستغدُو جزءًا مِنْ تاريخِ بَلدٍ، حاضره الآنَ مُنْقَسِم ومُقَسَّم، ولَكِنْ لَيْسَ بوسعِ المرءِ إِلَّا الغَرَامُ بِهِ وبِشعبهِ...
عَسَى أن يكونَ كتابي هَذَا الصوتَ المَسْمُوعَ
فِي وَقْتِ الفَوضى؛
حتّى يكفُّ العراقيّونَ عَنْ تخبئةِ السَّعَادَةِ فِي حقيبةِ الحُزنِ
ولا يعود واحدُهم يُناجي صورَ الوَطَنِ بِالقولِ:
آهٍ...
لَوْ كَانَ لَدَيَّ مَا أتمناهُ!!.
وَلَا يَفُوتُني أن أهدي المَلْحَمَةُ إِلَى ربِّ السّلَامِ،
عَسَى اللهَ يتفهَّمُ ويتقبّلُ لُغةَ الصّلاةِ فِي ملحمتي العراقيّةِ؛ وَيَنْفُخُ لَحَنَ الرَّفَاهِيَةِ فِي مِزمارِ الأمانِ لتستأنف النّوارسُ الحَيَاةَ عَلَى ضفافِ دجلةَ والتَّحْلِيقَ فِي سَمَاءِ الفُراتِ، فيعودُ العِراقُ رائعًا للكونِ كَمَا كَانَ فِي بدءِ الخَلِيقَةِ. آمين.
عَلى هَذَا الرّجاءِ كتبتُ كتابًا
وصلّيتُ شِعرًا إِلَى ذَلِكَ الشِّاعرِ الأكبر؛
فالحياةُ الَّتي سبقتنا
مَا عرفناها لولا الكتابُ.
الأب يوسف جزراوي
مقتطفاتٌ مِنْ كلمةِ الشِّاعرة المصريّة فاطمة ناعوت
...... الأبُ الشاعرُ "يوسف جزراوي"، الذي سأل الديكَ ذاتَ ليلة: لماذا يجولُ ليلاً في دروبِ العراق؟! وهل تجولُ الديكةُ في الليل، تاركةً بصيصَ الفجر! فأجابه الديكُ بصوت تخنقُه الحسرةُ بأنه يراقبُ الناسَ لكي يرى مَن سوف يُقبِّلُ وجناتِ الوطن، ومن سوف يبيعه بثلاثين قطعةً من الفضة. علَّه الديكُ الذي كان شاهِدًا على الإنكار ثلاثًا. هو الديكُ التاريخيُّ العارفُ الذي لا ينسى قطّ: مَن سَلَّم ومن أنكرَ، ورفض بثباتٍ أن يُبشِّرَ بالعراق لئلا يُنكره الناكرون مجددًا "قبل صياح الديك”.
.....في كتابه الجديد "طوفانٌ آخر للمدينة المَرثاة"، يرتدي الشاعرُ الأبُ "يوسف جزراوي" عباءة جلجامش، محاولا بناءَ "سورٍ من الكلمات" حول العراق لحمايتها ممن يرومون هدمَ تاريخها، تمامًا كما بنى جلجامش سورًا حجريًّا حول "أورك" لحمايتها من الأعداء. ونلاحظُ تشكيلَ كلمة "المَرثاة" في عنوان الكتاب. فالعراقُ ليست "مُرثاةً" لأنها لم تمُتْ ولن تموتَ، لكنها هي ذاتَها غدت "مَرثاةً" لخصومها الفانين. سلاحُ جلجامش كان سَطوتَه وسلطانَه كنصفِ إلهٍ، أما سلاحُ الأب "يوسف جزراوي" فهو نصلُ "الكلمة الشعرية". وهل أقوى من الكلمة سلاحٌ؟! “مفتاحُ الجنة في كلمة، ودخولُ النار على كلمة، وقضاءُ الله هو كلمة، الكلمةُ نورٌ وبعضُ الكلمات قبور، وشرفُ الله هو الكلمة”، كما يقولُ “عبد الرحمن الشرقاوي” في “الحسينُ ثائرًا”. وكذلك نعرفُ أن "في البدء كان الكلمة" في مفتتح الكتابُ المقدس. إذن بنصلِ "الكلمة" الحادِّ يحاولُ الشاعرُ الأبُ "يوسف جزراوي" أن يدافع عن وطنه السليب: العراق. يمدُّ الشاعرُ حبالَ الكلمات عن البعد لكي تحتضنَ وطنَه الحزينَ وتحميه من غول هادمي الحضارات. عبر معجمٍ ثريّ يمتازُ به الشاعرُ "يوسف جزراوي" ينسجُ كلماته على نَول الحزن باكيًا على المدينة التي "صيّروا نخلَها توابيتَ، فصارتْ نوافيرُها دموعًا" تبكي أرض الحضارة والحياة. “المدينةُ التي خرجت من رحمها الحضاراتُ/ كان لها صليبٌ وصالِب"، وصارت هي "المصلوبَ" الذي صنع من قطرات دماء جسده فداءً للبشر. نلاحظُ عبقرية الشاعر في توسّل الأدبيات الدينية ليجعلها تذوبُ في ماء الشعر....
تلك الكلمات القليلة الموجعة: "أنا أرضٌ/ جَبَلَ اللهُ منها آدمَ/ فغدت مقبرةً لنسلِهِ!” تُلخص مأساةَ العراق الراهنة، وفيها يكمنُ وجعُ الشاعر المغترب "يوسف جزراوي".
... اختار الأديبُ أن يخرج كتابُه "طوفانٌ آخر" في أحد عشر إصحاحًا، لكي يصيرَ هو ذاتُه "الشاعرُ الحزينُ"، الإصحاحَ الثاني عشر؛ حتى يكتملَ نِصابُ تلاميذِ السيد المسيح عليه السلام، وحوارييه، ويكونُ هادمُ العراق هو التلميذَ الخائنَ الثالثَ عشر: "يهوذا الإسخريوطي"؛ الذي سَلَّم سيدَه الصالحَ للجبابرة ليصلبوه، مثلما سَلَّم العراقَ العريقَ يهوذاتٌ معاصرون لصليب هادمي الحضارات السفاحين، الذين حوّلوا نخيلَها داناتِ مدافعَ، وتمرَها البرحيَّ قنابلَ ورصاصاتٍ، وعذبَ ماءِ فُراتِها دماءً وويلا، وصدحَ بلابلِها نحيبًا ونشيجا.
تحيةَ احترام ومحبة للعراقي المبدع الأب الشاعر "يوسف جزراوي" على هذه النغمة الحارقة في كتاب: "طوفانٌ آخر للمدينة المَرثاة"، تلك النغمة التي وخزت قلبيَ بنصلِ الشِّعر الشجيّ، وعمَّدتْ جسدَ العراق بماء الرجاء.....
مقتطفاتٌ مِنْ كلمة الباحثة العراقيّةِ د. وسن حسين محيميد
يطيبُ لي أن أقوم بتقديم مؤلف الأب يوسف جزراوي "طوفانٌ آخر للمدينة المَرثاة" الذي يختزلُ تأريخ العراق بكلماتٍ تُبحرُ في أعماقه، فيها صفحاتٌ ناصعة كالدُرر خالدة عبر الأجيال لكنها بكل أسفٍ ومرارةٍ معدودة، وسط أمواجٍ سوداء يُخيم عليها الأسى وتملأها صُلبانٌ شتى من الآلام فهل كان قدركَ يا عراق أن تحيا عذابات الأنبياء فلا ذنب لهم سوى أنهم حملوا رسالة السماء، فالنبي لا يُكرم في مدينته....
إنني أتوجه بوافر الشكر للأب يوسف جزراوي الذي منحني فرصة مقاسمته لآلام بلدنا الحبيب العراق التي منذ نعومة أظفارنا عشناها ومازلنا نعيشُ شطراً كبيراً منها، ونحن نرتقب الغد وكلنا أمل بإرادة السماء أن تُمطر السحب السوداء غيضها لتعود سماء بلدنا مشرقة بنور الله ، فأيُّ حصنٍ وملجأٍ لنا سواه... .
ضمَّ كتاب الأب يوسف جزراوي أحد عشر إصحاحاً وكأنّهُ يذكّرني بمعاناة تلامذة المسيح الاثني عشر وتفرقهم في البلاد لإعلاء كلمة الله ونشر بذور الرحمة، والمحبة، والسلام على الأرض، لكن يهوذا الاسخريوطي الخائن بينهم أتباعهُ كثيرون لا حصر لهم اليوم في العراق الذين جعلوا أبوابه مشرعةً للوحوش المُتكالبة فهؤلاء لا ولاء لهم سوى أنفسهم المريضة فارتضوا التصفيق لجور الحكام والعملاء وأعطوهم السّوط وأحنوا أمامهم الرؤوس وقالوا لهم اضربونا ولكن ترفقوا بنا، وهل في قلبِ الجلّاد من رحمةٍ فالناسُ على دينٍ ملوكها.
كلّ إصحاح يروي قِصصاً يعتصر القلب ألماً لما فيها من ويلاتٍ ونكبات يكلّلها نزيف الدم الذي خضّب أرض العراق، يختلف دعاته بين حكام فاسدين.... وبين محتلين وجيران سوء يصارع العراق بين مدٍ وجزر ويأبى الركوع لغير الإله....
تعليقات
إرسال تعليق